وَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ،
ــ
[مغني المحتاج]
كُلًّا مِنْهُمَا آمِنٌ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ فَيُصَلُّونَ فُرَادَى إنْ شَاءُوا. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: لَوْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ عَدَدٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَقَعَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضَ كِفَايَةٍ (وَلَا يَسْقُطُ) فَرْضُ صَلَاتِهَا (بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ) أَوْ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الذَّكَرِ بِالْعِبَادَةِ أَكْمَلُ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ وَهُنَاكَ ذَكَرٌ مُمَيِّزٌ؛ لَشَمِلَ مَا ذَكَرَ وَكَانَ أَخْصَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِ الذَّكَرِ وُجُودُهُ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وُجُودُهُ مُطْلَقًا وَلَا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِنَّ وَجَمَاعَتِهِنَّ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَكَرٌ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَيَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ. قَالَ فِي الْعُدَّةِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ: تُسَنُّ لَهُنَّ فِي جَمَاعَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَرْأَةِ وَهُنَاكَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ مَعَ أَنَّهَا الْمُخَاطَبَةُ بِهِ دُونَهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ وَيَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الشَّيْءُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ تَقْدِيمُهُ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاتُهُنَّ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرْنَهُ كَالْوَلِيِّ. قَالَهُ شَيْخِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ: إنَّ صَلَاتَهُنَّ تُجْزِئُ مَعَ وُجُودِهِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ امْتَنَعَ أَجْزَأَتْ صَلَاتُهُنَّ وَإِلَّا فَلَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صَلَاتِهِ دُونَ صَلَاتِهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَإِنْ صَلَّى سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْ النِّسَاءِ، وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ النِّسَاءِ. وَأَمَّا عَنْ الْخُنْثَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْبَى ذَلِكَ اهـ.
وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ذُكُورَتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ (وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ) وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْبَرَ النَّاسَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ» (١) . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْفَرْضِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ غُسِّلَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. نَعَمْ إنْ عَلَّقَ النِّيَّةَ عَلَى غُسْلِهِ بِأَنْ نَوَى الصَّلَاةَ إنْ كَانَ غُسِّلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَذْرَعِيِّ.
أَمَّا الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إلَّا مَنْ حَضَرَ وَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلَدُ لِتَيَسُّرِ حُضُورِهِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ مَعَ إمْكَانِ حُضُورِهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يُبْعَدْ الْجَوَازُ كَمَا بَحَثَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute