وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوْ مَوْضِعًا جَعَلْنَاهُ مِيقَاتًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا،
ــ
[مغني المحتاج]
لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا (غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ) وَلَا يُكَلَّفُ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَإِنْ بَلَغَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهِ (مُرِيدًا) نُسُكًا (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ أَوْ الْيَسْرَةِ، وَيُحْرِمُ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (فَعَلَ) مَا مُنِعَ مِنْهُ بِأَنْ جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ وَقَدْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكَهُ فَيَأْتِي بِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لِيُحْرِمَ مِنْهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ حَتَّى لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ عَادَ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لَمَّا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ قَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى ادَّعَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا وُجُوبَ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْعَوْدِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَوْدَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي كَانَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا كَالْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الِاعْتِمَارَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ وُجُوبِ الْعَوْدِ إذَا أَحْرَمَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي عَوْدَةِ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَصُورَةُ السَّهْوِ لَا تَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ، لِأَنَّ السَّاهِيَ عَنْ الْإِحْرَامِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَرُبَّمَا يُتَصَوَّرُ بِمَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ مِنْ بَلَدِهِ قَاصِدًا لَهُ وَقَصْدُهُ مُسْتَمِرٌّ فَسَهَا عَنْهُ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ الْعَوْدِ قَوْلَهُ (إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ (أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا) أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ شَاقٍّ أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يُرِيقُ دَمًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لَفَاتَ الْحَجُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا اهـ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْمُتَّجَهُ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ تَعَدَّى بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ، وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute