للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ.

وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمِيقَاتِ. قُلْت: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

(فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دَمٌ) بِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلِيُهْرِقْ دَمًا " رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْعَبْدِ وَابْنُ قَاسِمٍ فِيهِمَا فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْكَاتِبِ.

(وَإِنْ أَحْرَمَ) مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (ثُمَّ عَادَ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ) عَنْهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إذَا عَادَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا وَقِيلَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ وُجُوبٌ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصُحِّحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ تَعَلَّقَ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَفُتْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَحَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ بِالْعَوْدِ لَمْ تَكُنْ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمَا أَنْ يُحْرِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى النَّصِّ (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت: الْمِيقَاتُ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ (أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي.

وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةٍ بِالْإِحْرَامِ بِالتَّقَدُّمِ عُسْرًا وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ دُونَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ. أَمَّا إذَا الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَاسْتَشْكَلَ لُزُومُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ تَصْحِيحِهِ أَفْضَلِيَّةَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي النَّذْرِ فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>