للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى: بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَوْضِعُ ذِكْرٍ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَفِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ.

(وَ) رَابِعُهَا (أَنْ يَرْمُلَ) الذَّكَرُ الْمَاشِي وَلَوْ صَبِيًّا (فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) كُلِّهَا مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ لَا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرَّمَلِ فِي بَعْضِهَا، وَالْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ بِالْأَشْوَاطِ، وَقِيسَ بِهِ الرَّمَلُ (بِأَنْ يُسْرِعَ) الطَّائِفُ (مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) لَا عَدْوَ فِيهِ وَلَا وَثْبَ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي) مِنْ طَوَافِهِ عَلَى هِينَتِهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: «رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ وَمَشَى أَرْبَعًا» فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ الرَّمَلِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ تَرَكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السُّكُونُ فَلَا يُغَيَّرُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَلَا يَقْضِي بَعْدَهُمَا لِتَفْوِيتِ سُنَّةِ الْإِسْرَارِ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هِينَتِهِ كَمَا زِدْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، فَإِنَّ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ لَيْسَ قَسِيمَةَ الْمَشْي بَلْ التَّأَنِّي فِيهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ مَعَ زَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ السَّعْيُ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَأَنْ يَمْشُوا أَرْبَعًا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحْضِرُ بِهِ سَبَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ أَمْرِهِمْ، فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِيهِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ (وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ) وَيُسَمَّى خَبَبًا (بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ) مَشْرُوعٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ (وَفِي قَوْلٍ) يَخْتَصُّ (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّ مَا رَمَلَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَذَا مَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ عَقِبَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ، وَإِنْ طَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>