وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا، وَأَنْ يَنْزِعَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ الَّذِي عَلَيْهَا وَيَشْرَبَ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَنْضَحَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ، وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا، وَيَسْتَصْحِبَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ، فَفِي الْبَيْهَقِيّ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُهُ فِي الْقِرَبِ، وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ مِنْهُ» . وَيُسَنُّ الشُّرْبُ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَالدُّعَاءُ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا مَرَّ. .
وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يَنْصَرِفَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْبَيْتِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَصَوَّبَهُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَقِيلَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بِوَجْهِهِ مَا أَمْكَنَهُ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَى فِرَاقِهِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.
(وَ) تُسَنُّ (زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِغَيْرِ زَائِرِهِ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي سُنَنِهِ الصِّحَاحِ الْمَأْثُورَةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، فَقَوْلُهُ (بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتِصَاصَ طَلَبِ الزِّيَارَةِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ بَعْدَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَهُمَا أَوَّلًا مَعَ نُسُكٍ، بَلْ الْمُرَادُ تَأَكُّدُ الزِّيَارَةِ فِيهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ الْوُرُودُ مِنْ آفَاقٍ بَعِيدَةٍ، فَإِذَا قَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ يَقْبُحُ تَرْكُهُمْ الزِّيَارَةَ، وَالثَّانِي لِحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَغَيْرُهُ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ لِلْحَاجِّ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ حُكْمُ الْحَاجِّ فِي تَأَكُّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» فَتُسَنُّ زِيَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَعَلُّقَ لَهُمَا بِالْحَجِّ، وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدَ فِيهِمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ وَأَحْسَنَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ، وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهِمَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ، وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute