قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَقَالَ وَهَذَا: أَيْ السَّكْرَانُ آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ اهـ.
وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُهُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ بَيْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَكِنَّ التَّعَرُّضَ لَهُمَا أَحْسَنُ لَكِنْ لَا يَرُدَّانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَمَا يَدِينُ الشَّخْصُ يُدَانُ:
أَحَدُهَا: أَنَّ تَعْبِيرَهُ يُخْرِجُ السَّكْرَانَ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ قَيْدُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، إلَّا أَنْ يَفْرِضَ فِي سُكْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرُّشْدِ لِجَهْلٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَهُوَ نَادِرٌ.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ فَإِنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِرَشِيدٍ، إذْ الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَاعَ قَبْلَ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ عِبَارَتَهُ تَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالرُّشْدِ فِي قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ: أَوْ صِبْيَانٌ رُشَدَاءُ.
وَخَامِسُهَا: الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ رَشِيدٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.
(قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا لِفِعْلِهِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَا الْقَتْلُ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ هَذَا يَأْتِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَكْلِهِ أَوْ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ غُسْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَأَحْبَلَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَقِرُّ لِلزَّوْجَةِ بِهِ الْمَهْرُ وَلِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ وَحَلَّتْ الزَّوْجَةُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، وَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُحْرِمُ عَرَفَةَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ. أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ إقَامَةً لِرِضَا الشَّرْعِ مَقَامَ رِضَاهُ، وَصَوَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ، فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَزَّرَهُ وَحَبَسَهُ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُصَوِّرُهُ بِمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالْبَيْعِ فَامْتَنَعَ فَأَكْرَهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الْوَلِيَّ عَلَى بَيْعِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute