معاملة الأنبياء لغيرهم لم تكن على وتيرة واحدة، بل كانت أحيانا بالسلطة والاستعلاء، وأحيانا بالسياسة والابتلاء، وهذا منها، كما نص عليه أبو بكر (ابن العربي) في أحكام القرآن.
وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} إشارة إلى ما أكرم الله به يوسف من الحرية والسعة والنفوذ والتصرف في أرض مصر، بعدما ابتلاه فيها بالرق والضيق والسجن الطويل. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله:{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، إشارة إلى الفرج والنصر، اللذين يأتيان في أعقاب الثبات والصبر.
وقوله تعالى:{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} إشارة إلى قدوم إخوة يوسف إلى مصر بقصد الحصول على القوت اللازم لهم، إذ كانت بلاد كنعان حيث يستقر يعقوب عليه السلام قد أصابها القحط والجدب، وكانت أخبار عزيز مصر وإحسانه إلى الناس قد بلغت أصداؤها إليهم، وبهذه المناسبة دخلوا على يوسف وهو في أبهة الرياسة وهيبة السلطة فعرفهم يوسف، دون أن يتعرفوا عليه، على خلاف العادة في الجماعة.
والسر في ذلك أنهم فقدوا يوسف وهو في سن الصبا، فتغيرت ملامح وجهه عما كانت عليه، ومنذ اشتراه العزيز لامرأته واتخذاه فتى لهما كان كالمكتوم عن الناس، ثم أقام محبوسا ما شاء الله أن يقيم، وبطول المدة عمي أمره، وخفي خبره على أبيه