وإخوته. يضاف إلى ذلك أن أحدا منهم لم يكن يتخيل أن يصل الأمر بمثله إلى ما وصل إليه من الجاه والنفوذ ومظاهر السلطان، ثم إن المركز الذي أصبح يحتله في الدولة يدعوهم إلى أن يتهيبوه عند المخاطبة لشدة حاجتهم إليه، وكل هذه الأسباب تجعل تعرفهم عليه، فضلا عن إطالة النظر إليه، أمرا عسيرا، بينما يوسف في هذه الحال متمكن من الأمر، متفرغ الذهن، لا يصعب عليه تأمل ملامحهم وملاحظة أحوالهم {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}.
وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لأبيهم {يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} إشارة إلى ما طالبهم به يوسف من إحضار أخ لهم من أبيهم، ومراده بذلك أخوه الشقيق (بنيامين) كشرط للسماح لهم بالحصول في المستقبل على التموين الضروري لأسرتهم، وكان هذا الإجراء من يوسف تلطفا في إحضار أخيه ثم لقاء أبيه بالوجوه التي أباحها الله.
ومما تنبغي ملاحظته في هذا السياق استعمال إخوة يوسف - بغية اطمئنان أبيهم يعقوب على أخيهم بنيامين - نفس العبارة التي استعملوها ليطمئن على أخيهم يوسف من قبل، فكما قالوا لأبيهم أولا بخصوص يوسف {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قالوا لأبيهم أخيرا بخصوص بنيامين شقيق يوسف {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وهذا هو السر فيما رد عليهم به أبوهم يعقوب، إذ قال لهم فيما حكاه عنه كتاب الله {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}. ثم عقب على تعهدهم القديم بحفظ يوسف، وتعهدهم الجديد بحفظ أخيه