وما سأله منها بلسان الحال، مبينا أن نعم الله لكثرتها وتنوعها لا يستطيع أن يعدها عاد، بل هنالك نعم إلهية خفية ودقيقة تخفى حتى عن أدق الأفكار، لأنها من باب اللطف الخفي، فلا يهتدي إليها علم الإنسان المحدود، ولا سبيل لإدراكها فضلا عن إدراجها تحت العد والمعدود، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}.
ثم عقب كتاب الله على ذلك كله بما يكون عليه حال الإنسان، الفاقد للإيمان، من ظلم في حق الله، بالشرك به، وظلم في حق نفسه، بالكفر بالله، وظلم للخلق، بتعدي حدود الله، فقال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وعلاقته بالبلد الحرام والبيت الحرام، فقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}. وبذلك بين كتاب الله أن ما عليه مشركو العرب من عبادة الأوثان والأصنام لا يمت بصلة إلى ملة إبراهيم، وأن عبادة الأصنام إنما هي ضلال في ضلال، وأن ما يتمتعون به من أمن في البلد الحرام إنما هم مدينون به قبل كل شيء لدعوة إبراهيم الخليل عليه السلام، لا إلى ما اخترعوه لعبادتهم من الأوثان والأصنام. وبذلك أقام الحجة عليهم، ولم يبق لهم عذرا، ثم قال تعالى حكاية لتتمة دعاء إبراهيم {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، إشارة إلى أن من اتبع إبراهيم على ملة التوحيد كان منه وإليه،