وإلى أن من عصاه فارتكس في عبادة الأصنام ليس منه، ولو انتسب إليه، بل أمره موكول إلى مشيئة الله، إن اهتدى بعد كفره إلى الإيمان تاب الله عليه وغفر له، وإلا عاقبه ولو أمهله.
وقوله تعالى:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} قال أبو القاسم ابن جزي: " اجنبني: أي امنعني، وبني: يعني من صلبه، وفيهم أجيبت دعوته، وأما أعقاب بنيه فعبدوا الأصنام ".
وأشار كتاب الله إلى ذرية إبراهيم التي أسكنها بالبلد الحرام، وما أراد أن تكون عليه هذه الذرية، وما دعا لها به من الدعوات الصالحة دينا ودنيا.
والأمر يتعلق بإسماعيل بن إبراهيم عندما حمله أبوه رضيعا مع أمه هاجر من الشام إلى مكة، وتركهما إبراهيم وديعة في يد الله، بأمر من الله، في نفس البقعة التي سيقام فيها البيت الحرام في البلد الحرام، وذلك قوله تعالى:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} أي عند المكان الذي سيبنى فيه بيتك {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
والمراد {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} مكة، والوادي في لسان العرب ما بين جبلين، وإن لم يكن فيه ماء، وحيث أن مكة لم يكن فيها زرع دعا إبراهيم ربه أن يرزقها من ثمرات البلاد الأخرى، إعانة للعاكفين بها والوافدين إليها على عبادة الله وطاعته