الموقف سيقفه الكفار عندما يواجهون عذاب الله في الدار الآخرة، كما قال تعالى في آية ثانية في سورة الأنعام:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الآية: ٢٧]. ولفظ (رب) يأتي غالبا للتقليل، وأحيانا للتكثير، و (ربما) الواردة هنا من هذا القبيل.
وقوله تعالى:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} إشارة إلى سنة الله التي خلت من قبل في الأمم والشعوب عندما ترتكس في أوحال الضلال، وتصر على السير في طريق الخبال، فإن الله يسلط عليها أسباب الإبادة والهلاك، وعلى مدنها وقراها عوامل الخراب والاضمحلال. وبين كتاب الله أن هناك قانونا ثابتا لا يتخلف لارتقاء الأمم وسقوطها، وسعادتها وشقائها، وعزها وذلها، فقال تعالى:{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} ومعنى ذلك أن الله جعل لكل أمة عمرا كأعمار الأفراد، وأجلا لحياتها كأجل العباد.
ثم عرض كتاب الله بعض الادعاءات والاتهامات التي اعتاد توجيهها إلى الرسل والأنبياء خصوم النبوات والرسالات، فقال تعالى حكاية عن مشركي قريش -وهم يخاطبون الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام- {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} على غرار ما قالته الأقوام السابقة لمن جاء قبله بالرسالة، إذ وصفوهم بالغباوة والسفاهة والضلالة.
وقول المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} لم يصدر منهم على أنه اعتراف حقيقي بأنه رسول يوحى