إليه من عند الله، وإلا لأصبحوا مؤمنين، وإنما صدر منهم في صورة استخفاف بدعواه، كأنهم يقولون له: يا أيها الذي يزعم أنه نزل عليه الذكر، وما هم له بمؤمنين.
وردا على استخفافهم، وإبطالا لادعائهم، عقب كتاب الله على قولهم في نفس السياق فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وهكذا ركز كتاب الله جوابه حول المعنى الذي دار عليه كلامهم وهو:{نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} فجاء بما يثبت ذلك المعنى ويؤكده تأكيدا قاطعا، وأخبر بأن الله تعالى هو الذي نزل الذكر على رسوله حقيقة لا خيالا، وصدقا لا ادعاء، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}.
ثم أضاف إلى ذلك ما هو أجل وأخطر، وهو أنه سبحانه قد تعهد، لا بتنزيل القرآن من عنده فحسب، بل تعهد بصيانة القرآن وحفظه من كل خلل على مر الأعصار، ورغم أنف جميع الخصوم والأعداء، فهو محفوظ بحفظ الله في الصدور والسطور من كل تبديل أو تغيير، وهو محفوظ بحفظ الله، من جميع العوارض التي تعرض للبشر عادة فيما يتناقلونه ويتحملونه على عهدتهم، ويتولون حفظه بأنفسهم، وإذا كان غير القرآن من الكتب المنزلة قد لحقه تغيير وتبديل، وتحريف وسوء تأويل، فإن ذلك آت من أن الله تعالى قد ابتلى أهلها عندما وكل حفظها إليهم، فضيعوها ولم يحافظوا عليها، كما قال تعالى في شأنهم في سورة المائدة:{وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}[الآية: ٤٤].