وقوله تعالى ضمن قصة لوط:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الظاهر أنه خطاب للوط عليه السلام، وتنديد بقومه الذين أصروا على الغواية والضلال. وذهب بعض المفسرين إلى أنه جملة معترضة، وجه الخطاب فيها إلى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام. قال ابن كثير:" أقسم تعالى بحياة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا تشريف عظيم، ومقام رفيع، وجاه عريض ". وعن ابن عباس أنه قال:" ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ". قال الله تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وقال ابن جزي:" {لَعَمْرُكَ} قسم. والعمر الحياة، ففي ذلك كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله أقسم بحياته ".
ثم أشار كتاب الله هنا بغاية الإيجاز إلى قصة شعيب وقومه، فقال تعالى:{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب، والمراد " بالأيكة " الغيضة من الشجر الملتف، وقد أضرمها الله عليهم نارا لما ظلموا وتمردوا، قال ابن كثير:" وقد كانوا قريبا من قوم لوط في الزمان، ومسامتين لهم في المكان "، وذلك معنى قوله تعالى هنا:{وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} أي أن مقر قوم لوط، ومقر قوم شعيب واقعان على طريق واضح يراه الناس ويمرون عليه باستمرار، للذكرى والاعتبار.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة أصحاب الحجر، وبها سميت هذه السورة " سورة الحجر "، والمراد بهم ثمود، وهم