وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن المهاجرين في سبيل الله، الذين آثروا سلامة عقيدتهم على كل شيء، وضحوا من أجلها بجميع المصالح والأغراض، ففارقوا الأهل والعشيرة والمتاع، وتعرضوا لضيق العيش وغربة الدار، وبين كتاب الله مكانة المهاجرين عند الله في الدنيا والآخرة، منوها بخصالهم ومزاياهم، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. روي أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول:" خذ، بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل " ثم قرأ هذه الآية: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
وتناول كتاب الله الرد على المشركين الذين كانوا لجهلهم بسنن الله في خلقه، وجهلهم بتاريخ النبوات والرسالات السابقة، يستبعدون أن يرسل الله إليهم من أنفسهم رسولا، وخاطبهم داعيا إياهم إلى سؤال أهل الذكر من أهل الكتب المنزلة الماضية -إن لم يكتموا ويحرفوا- هل كان رسلهم بشرا أم غير بشر، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} على غرار قوله تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الآية: ٧].