وقوله تعالى هنا:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} متعلق بقوله قبل ذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَا} أي وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا يوحى إليهم، على قاعدة التقديم والتأخير في الكلام، المتعارفة في لسان العرب، والمراد " بالبينات " هنا الحجج والبراهين، والمراد " بالزبر " الكتب، جمع زبور أي كتاب.
وقوله تعالى خطابا لرسوله الأعظم:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} إشارة إلى الذكر الحكيم والقرآن العظيم بالخصوص، وإنما أطلق على القرآن اسم " الذكر " لما فيه من تذكير الناسي وتنبيه الغافل، وهذه الآية تتضمن بيان اختصاص الرسول، وتكليفه بتبليغ الوحي المنزل عليه من عند الله، وبتبيين حكمه ومقاصده وأهدافه للناس أجمعين، كما تتضمن بيان الحكمة في تنزيل القرآن الكريم، وأن الحكمة منه هداية الناس إلى صلاحهم، وإثارة الخير في نفوسهم، فلخيرهم نزل على الرسول القرآن، ولهدايتهم وجب على الرسول البيان:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} أي لهدايتهم وإرشادهم {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
ثم أنذر كتاب الله المشركين والكافرين بعقابه الصارم، وحذرهم من أن يصيبهم ما أصاب الأقوام التي هلكت من قبلهم، فقال تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} أي ارتكبوا المعاصي بمكر وخبث، {أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} أي في أسفارهم {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي يأخذهم