وأكد كتاب الله هذا المبدأ الإسلامي الأصيل، مبدأ الوفاء بالعهد ما دام العهد قائما، مبينا هذه المرة العواقب الوخيمة التي تنشأ عن خيانة العهود ونقض المواثيق، فقال تعالى في نفس هذا الربع:{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}، أي: لا تتخذوها خديعة ومكرا، {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، إذ إن الغدر والخديعة يؤديان إلى فقد الثقة وإثارة الفتنة فيما بين الأفراد والأمم، ويؤديان إلى أن يتربص المخدوعون بمن خدعوهم الدوائر، فينصرم حبل التعاون فيما بين الطرفين، (ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
وزاد كتاب الله نفس المبدأ توكيدا وتشديدا، منبها إلى أن المنافع الزائلة والمصالح العابرة، لا ينبغي أن تغري المؤمنين بنقض عهودهم ومواثيقهم؛ لأن منافع الوفاء المتبادل، والثقة المتبادلة، أدوم وأبقى، فقال تعالى في نفس السياق:{وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ثم حض كتاب الله على ممارسة الخير والعمل الصالح، و " العمل الصالح ": هو العمل المشروع الملائم للتوجيهات الإلهية، والمحقق لمقاصد الشريعة وأهدافها، مبشرا كل من سلك في حياته هذا المسلك من ذكر وأنثى بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، وذلك قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، وهذه