وما دام الحديث في معرض الحج الذي هو أحسن فرصة يتزود فيها المؤمنون من دعاء الخير {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. فقد أرشد الحق سبحانه وتعالى عباده إلى أحسن طريقة لسؤاله ودعائه أثناء قيامهم بعبادة الحج التي هي مظنة الإجابة، كما نبه إلى الطريقة التي ينبغي تجنبها في الدعاء، وبدأ في الذكر بالتنبيه على ما ينبغي تجنبه فقال عز من قائل:{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
وهذه الآية تتضمن أمرين:
١ - الأمر الأول: استنكار موقف الذين يقصرون دعائهم في مواطن الخير على ما يهم من الشؤون المادية الصرفة، وإنذارهم بأن لا يكون لهم في الآخرة حظ ولا نصيب، ماداموا قد نسوا الدار الآخرة، وهذا يقتضي بطبيعة الحال ذمهم والتنفير من التشبه بهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، فأنزل الله فيهم {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
٢ - الأمر الثاني: تحبيذ موقف الذين لا ينسون آخرتهم بدنياهم ولا دنياهم بآخرتهم، بل يجمعون في دعائهم بين خير الدنيا وخير الآخرة، اهتماما منهم بالاثنين، وجمعا بين الحسنيين، طبقا لأمر الله، وتحقيقا لمراده، على حد قوله تعالى في آية أخرى: {وَلَا