عند تحليله لقوله تعالى:{الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} إذ قال: " لما رفعه إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية، ألزمه اسم العبودية تواضعا للألوهية "، وذلك حتى لا يلتبس أحد المقامين بالآخر، كما التبسا في المعتقدات المسيحية.
وقوله تعالى:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} بيان لحكمة الله في إسرائه بخاتم أنبيائه ورسله، وقد أعاد كتاب الله الحديث عن هذه الحكمة في سورة النجم فقال تعالى:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[الآية: ١٨] وكم في السماوات وحدها من عجائب وآيات. قال زميلنا المرحوم المفسر الشهيد:" والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى، من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير، لمقدسات الرسل قبله، والإشارة إلى اشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعا، فهي ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها للنظرة الأولى ".
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن موسى وعن بني إسرائيل. والحديث عن رسالة موسى عليه السلام، وعما تقلَّب فيه بنو إسرائيل من النِّعَم والنِّقَم -بعد ذكر المسجد الأقصى- مناسب لهذا المقام كل المناسبة، فقال تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى