الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} أي هاديا ومبينا {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}، وقال تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}، وقال تعالى:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي وعد المرة الآخرة {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} أي ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية على وجوهكم {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} أي ليبيدوا -مدة علوهم واستيلائهم- كل ما استولوا عليه، وقال تعالى:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي سجنا يحاصرون فيه. وهكذا أشار كتاب الله في إيجاز وإعجاز إلى جوهر الرسالة الموسوية التي جاء بها موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، فحرفوها وتنكروا لها، وكان من آثار تمردهم عليها ما توالى عليهم من التشتيت والتفتيت، وأنواع البلاء والجلاء في أطراف الأرض شرقا وغربا.
ثم نبه كتاب الله إلى أن بني إسرائيل كلما عادوا إلى الفساد في الأرض والاستعلاء على الخلق عادت إليهم النقم تترى، وأوسعهم الله هزيمة وقهرا، وآتى أعداءهم غلبة ونصرا.
وواضح أن الخطاب في قوله تعالى:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} موجه إلى بني إسرائيل، إنذارا لهم بسوء العاقبة وقبح المصير، كما وجه إليهم الخطاب من قبل في قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي