ووصف كتاب الله في هذا الربع صورة من صور الخلق عندما يركبون البحر ابتغاء التجارة والربح، عن طريق نقل بضائعهم ومحاصيلهم على ظهر الفلك، وما يلحقهم من الجزع ويصيبهم من الفزع عند تغير أحواله، ومفاجأة أهواله، فلا يجدون ملجئا إلا الله، وينسون كل ما سواه، وذلك قوله تعالى:{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ} أي يسيرها ويجريها {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} أي بدلا من أن يشكر الإنسان نعمة الله عليه، إذ استجاب دعاءه، ولبى نداءه، يكفر حينا بنعمة الله الذي نجاه، وينسى العون الذي قدمه له مولاه، وكان الأولى به والأوفق له أن يقف ببابه، ملازما لأعتابه، في البر والبحر، في الشدة والرخاء، إذ لا مانع يمنع القدرة الإلهية من تسليط العذاب عليه مرة أخرى، برا أو بحرا، ما دام الإنسان قد أمعن في ضلاله وازداد جهلا وكفرا {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي ريحا ترميكم بالحصباء من فوق رؤوسكم {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} أي أن ترجعوا وتركبوا البحر الذي نجاكم منه أولا {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي لا تجدوا علينا أدنى حجة ولا متابعة، فمن كان مصرا على