وقوله تعالى:{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. بعد قوله تعالى:{مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ}. فيه تلميح إلى أن طائفة المنافقين تختار دائما أن تضرب على الوتر الحساس، الذي يهم أكبر عدد من الناس، وهو وتر المصالح المادية القريبة، والمنافع الشخصية العاجلة، فعن ذلك الطريق السهل تحاول الوصول إلى أهدافها الملتوية، وأغراضها المنحرفة.
وقوله تعالى:{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}. فيه وصف دقيق لكل فرد من أفراد هذه الطائفة، وهو صورة ناطقة بما عليه المنافقون جميعا من قدرة خاصة على الجدل الفارغ، واستعداد خاص للمناقشات البيزنطية العقيمة، وطول نفس في الأخذ والرد، فهم ثرثارون متفيهقون دائما، وعليهم وعلى أمثالهم يصدق قوله تعالى في سورة الأنعام:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}. وقوله تعالى في نفس السورة:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}.
ثم تزيد الآية الكريمة توضيحا لحقيقة المنافقين وكشفا عن مواقفهم المتناقضة، فتنبه إلى أن المنافق بعد أن يستولي على العقول البسيطة، ويتمكن من الأمر والنهي في أصحابها طبقا لشهواتهم، يبلغ به الكبر، والإعجاب بالنفس، والاستبداد بالرأي، إلى درجة أن يعتقد أنه غني عن كل نصيحة، وغير محتاج إلى أي إرشاد، فمن اتجه إليه مرشدا إياه ولو باسم الله، وإلى تقوى الله، اعتبره مسيئا إليه، أو متمردا عليه، وذلك ما يفهم من قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}. أي أنه يصبح ناسيا ما كان