يتظاهر به قبل ذلك، حيث كان أمام الناس {يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}. فتبين أخيرا أن قوله مجرد زور وبهتان، لا عن عقيدة وإيمان، ثم عقبت الآية على ذلك بما ينتظر المنافقين من عذاب شديد، إذ قالت {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
وعلى عكس طائفة المنافقين التي وصفتها هذه الآيات أدق وصف، تحذيرا من ألاعيبها وتنبيها إلى مناوراتها، وتعريفا بمظاهرها البراقة الخلابة حتى لا يقع المسلمون في أشراكها، تولت آيات أخرى وصف المؤمنين الصادقين أحسن وصف وأصدقه تعريفا بهم، وتنبيها إليهم، حتى يلتف المسلمون حولهم كل الالتفاف، فقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. وهذا يقضي أن هناك طائفة من الناس تكرس حياتها، وتخصص جهودها، وتبيع نفسها في سبيل الله، ابتغاء مرضاة الله، لا ابتغاء مرضاة الناس، فهي لا تبخل بوقت ولا بجهد في سبيل الصالح العام والخير المشترك، والتعاون على البر والتقوى، وفي سبيل ذلك تتنازل عن شهواتها، وتتخلى عن أهوائها، وتتجرد من أنانيتها، حتى تتقمص فيها روح الجماعة وخيرها، ولا تتحرك إلا بها ولها، امتثالا لأمر الله، وابتغاء مرضاة الله، ولا شك أن وجود هذه الطائفة من الناس في المجتمعات والأمم نعمة كبرى من أكبر النعم التي ينعم الله بها عليها، إذ بواسطتها يتحقق كثير من الإصلاح، وعلى يدها يزول كثير من الفساد، وبفضل توجيهها والمثل الصالح الذي تضربه لبقية الناس يتم كثير من التقدم والازدهار، وتنتشر بينهم ظاهرة التضحية والإيثار، فهي رحمة من