في ضلالهم، ومهما طال بهم الأمد فمردهم جميعا إلى الله {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} - {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
وانتقل كتاب الله من قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام إلى قصة إبراهيم عليه السلام وأبيه، واقتصر في هذا السياق على ما دار بين الأب وابنه من محاورة فريدة من نوعها حول عقيدة التوحيد الثابتة، ومعتقد الشرك الباطل، وما تبع ذلك من تهديد أبيه له بالقطيعة والقتل رجما بالحجارة، وما أنعم الله به عليه من نعمة الذرية الصالحة التي اصطفاها لنبوته وحمل رسالته من بعده، فقال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}، ويتجلى في هذا الخطاب الذي خاطب به إبراهيم أباه ما تقوم عليه الدعوة إلى الله من الاستناد إلى العلم، والتزام الحكمة والموعظة الحسنة، والإقناع بالحجة البالغة، والجدال بالتي هي أحسن، وما تختاره لنشرها من أساليب التلطف والتعطف التي يكون لها وقع طيب في القلوب، فها هو إبراهيم يكرر قوله:{يَا أَبَتِ} أربع مرات في حديثه إلى أبيه، تأليفا لقلبه، وتطييبا لخاطره، وأخذه بيده إلى صراط الله السوي، دون أن يخرج عاطفته، ولا أن يهين كرامته، ثم يحكي كتاب الله