للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جواب أبيه الذي انطبع بطابع الوثنية والجاهلية، فيبدو جوابه جافيا نابيا، مليئا بالتهديد والوعيد، خاليا من كل حجة أو دليل، اللهم إلا مجرد التقليد الأعمى والرأي السقيم العليل {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} أي زمنا طويلا.

وعندما يسمع إبراهيم رد والده المطبوع بطابع التعسف والعنف، يجيبه بجواب كله أدب ولطف {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} أي عودني اللطف بي وإجابة دعائي.

وبعد أن بلغ إبراهيم رسالته إلى أبيه وقومه، ووجه إلى معبوداتهم سهامه النافذة، وزلزل قواعدها من الأساس، فلم تبق لها حرمة في النفوس، فارقهم جميعا، واعتزلهم متبرئا منهم ومن آلهتهم، فكان أسوة لأصحاب الكهف من بعده الذين اعتزلوا مشركي قومهم وما يعبدونه من دون الله، وإلى هذا الموقف الحاسم يشير قوله تعالى على لسان إبراهيم: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}.

وأشار كتاب الله إلى أن هذه الفترة التي اعتزل فيها إبراهيم أباه وقومه، لإصرارهم على الشرك، كانت فترة خير وبركة على إبراهيم وعلى ذريته، فقد وهب الله له أثناءها ولده إسحاق، ثم وهب لابنه إسحاق وهو على قيد الحياة حفيده يعقوب، ثم ضاعف الله إكرامه لخليله إبراهيم فأنعم على ذريته بالنبوة والذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>