أخرى، وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت فدخلوا الحرم حفاة دون نعال. قال القاضي أبو بكر (ابن العربي): " إن قلنا إن خلع النعلين كان لينال بركة التقديس فما أجدره بالصحة، فقد استحق التنزيه عن النعل، واستحق الواطئ التبرك بالمباشرة، كما لا تدخل الكعبة بنعلين، وكما كان مالك لا يركب دابة في المدينة برا بتربتها المحتوية على الجثة الكريمة ". والمراد (بالمقدس) المطهر، من القدس بمعنى الطهر.
وقوله تعالى:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إشارة إلى أن حسن الاستماع لكلام الله ووحيه أمر مرغوب فيه، قال وهب بن منبه:" من أدب الاستماع سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى ". ويوجد تناسب تام بين أمر الله تعالى لموسى بالاستماع هنا وخطابه لجمهرة المؤمنين في قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[لأعراف: ٢٠٤]، وقد مدح الله {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ووصفهم بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ}.
وقوله تعالى خطابا لموسى عليه السلام:{فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} يعم كافة المكلفين، ويصدق عليهم أجمعين، وهذه الآية تحتمل جملة من المعاني، باعتبار أن لفظ " الذكر " الوارد فيها إما أن يكون مصدرا مضافا إلى الضمير، أو مضافا إلى الفاعل، أو مضافا إلى ضمير المفعول، كما نبه على ذلك القاضي أبو بكر (ابن العربي)، فيكون معنى الآية أقم الصلاة لتذكرني فيها