ومن ذلك ما خاطب به الحق سبحانه وتعالى رسوله موسى إذ قال له:{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} فقد أصدر أحكم الحاكمين بهذا الخطاب الجامع المانع - وذلك قبل أن تنتهي المباراة أو المصارعة - حكمه الذي لا يرد، بفشل فرعون وسحرته فيما بيتوه من كيد، وبخيبتهم فيما نظموه من تحد ومواجهة للحق الصراح {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء: ٨١].
ومن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون بعد ما نفض السحرة أيديهم من فرعون وملائه، وآمنوا برب موسى وهارون {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} فكان قول فرعون هذا دليلا على ما أصاب عقله من خلط وخبط، لهول المفاجأة التي فوجئ بها هو وقومه، حتى أتهم فرعون نفس السحرة الذين كانوا قبل لحظات محل ثقته وطوع يديه، بأنهم أصبحوا تلامذة لموسى، بمجرد ما أعلنوا إيمانهم بالله، وبراءتهم من فرعون ودينه، وأصر فرعون في تعبيره على أن يتهم موسى بأنه هو الذي علمهم السحر الجديد. يضاف إلى ذلك ما يتضمنه خطاب فرعون لسحرته السابقين من جهل فاضح بخلجات النفوس وتقلبات القلوب، فالإيمان متى خالطت بشاشته قلب الإنسان تحول في الحال من حال إلى حال، ومفاتح القلوب هي قبل كل شيء بيد الله، لا بيد الطغاة المتمردين على الله، والشأن في كلمة الحق أن تغزو الآذان، دون استئذان.