ومن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان السحرة، الذين تحولوا بفضل معجزة موسى إلى مؤمنين بررة، وهم يردون على فرعون {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} فكان ردهم على فرعون ردا مفحما، لأنهم آمنوا بربهم عن برهان وبينة، وفارقوا دين فرعون وقومه عن اقتناع، فلا شيء يستطيع أن يردهم عن سلوك المحجة البيضاء، ولا شيء يقنعهم بالاستمرار في عبادة طاغية متكبر، لمجرد أن يقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، فقد اهتدوا إلى معرفة الإله الحق الذي {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}، وبعدما رفعت عنهم غشاوة الجهل والنسيان، ها هم يقبلون بشوق وحماس على عبادة الرحمن، بكل طاعة وإذعان، متحملين جميع التضحيات والآلام التي يفرضها عليهم حكم الظلم والطغيان، إذ لا سلطة لهذا الحكم الغاشم إلا في الدار الفانية، وهم مطمئنون إلى حكم الله العادل الذي سيلقونه في الدار الباقية {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
ومن ذلك ما أوحاه الله إلى نبيه موسى بعد انتصاره في الجولة الأولى {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} جريا على سنة الله التي لا تتخلف، في نصرة كل مظلوم التجأ إلى الله، واعتصم بحبل الله، وأسلم وجهه إلى الله، كان فردا أو جماعة، فمن تمسك بالعروة الوثقى وجعل كلمة الله هي العليا في جميع التصرفات، شاهد من خوارق