والمشركين، واعتزلوا قومهم بعدما تحدوهم بالحق المبين، مما أعطوا به الدليل على منتهى الثبات وقوة الشخصية، ونهاية الإخلاص والصبر والتضحية، فضربوا بذلك المثل الأعلى للفتوة، واستحقوا الذكر العاطر في آيات الله المتلوة. روى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس قال:" ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب " وتلا هذه الآية {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}.
وأشار كتاب الله إلى رابطة الدم والعقيدة التي كانت تجمع بين إبراهيم ولوط، فقد كان الأول عما للثاني، وإلى ما من الله به على إبراهيم إذ خرج سالما من نار قومه واعتزلهم فلم يبق بين أظهرهم، كما أشار إلى نجاة لوط مما أصاب قومه من العذاب الأليم، وتحدث عن هجرتهما إلى الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، إذ جعلها مهد كثير من الأنبياء ومثواهم الأخير، فقال تعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، وقال تعالى:{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
وقوله تعالى هنا:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} يفسره قوله تعالى في سورة هود: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}[الآية: ٧١]، فيعقوب على هذا ولد إسحاق، و " النافلة " ولد الولد كما قال ابن عباس وغيره.
وذكر كتاب الله هنا بمنتهى الإيجاز قصة نوح عليه السلام