{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}[الآية: ٩٥]، وقوله تعالى في سورة الأنعام:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}[الآية: ٩]. فكون الرسل الذين أرسلهم الله إلى البشر يجمعون بين البشرية والرسالة معجزة من أعظم معجزاتهم، ودليل كم أكبر الدلائل على صدقهم، ولذلك وجه إليهم الحق سبحانه وتعالى أمره بممارسة حياتهم البشرية العادية، إلى جانب قيامهم بتبليغ الرسالة الإلهية، إذ لا تعارض بينهما ولا تناقض، فقال تعالى في هذا الربع إشارة إلى الشق الأول والشق الثاني {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
وغيرة من الله على حرمه رسله، وحفاظا على كرامتهم حتى لا يوصموا بالطمع والاستغلال، وحتى لا يحصل لأقوامهم أي شيء من الملل والاستثقال، تكلف الحق سبحانه وحده برزقهم، ولم يترك للغير سبيلا عليهم، وما من أحد منهم إلا وكان يعلن إلى الناس جميعا {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في هذا الربع:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
وتضمن كتاب الله في هذا الربع حقيقتين من الحقائق الجوهرية والأساسية في سير الحضارات والعمران، وفي انتظام العوالم والأكوان:
- الحقيقة الأولى- أن الجماعات الإنسانية لها آجال وأعمار، وبداية ونهاية، بالنسبة لبقائها وفنائها، ورقيها وانحطاطها، تبعا