للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لتمسكها بالنواميس الخلقية والعمرانية التي جاءت بها الهداية الإلية، أو تمردها عليها وخروجها عن جادتها المثلى، وأقرب مثال لهذه الحقيقة ورد في سياق إبادة قوم نوح بالطوفان، وهلاك قوم هود بالصيحة، وهلاك فرعون وملائه بالغرق، جزاء شركهم بالله وكفرهم برسله، وإلى هذه الحقيقة الأولى يشير قوله تعالى هنا: {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} على غرار قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الآية: ٢٤].

- والحقيقة الثانية - أن الحق في جميع الأشياء واحد لا يتعدد، وأن الحق في جميع الظروف ثابت لا يتغير، وعلى هذا الأساس قامت النواميس الطبيعية التي تنظم الأكوان، والنواميس الخلقية والعمرانية التي تنظم حياة الإنسان {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: ٢٣]، فبالحق المنبثق عن إرادة الله قامت السماوات والأرض، لا بالهوى الذي تمليه الشهوات والأغراض {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} [يونس: ٣٢]. ولو كانت نفس النواميس الطبيعية والنواميس الخلقية والعمرانية تابعة لأهواء الأفراد والجماعات لما عرف الكون سيره المطرد، ولما أمكن فيه أي استقرار أو ثبات، ولما انتظمت حياة الإنسان على سطح الأرض لحظة واحدة، إذ لا سبيل حينئذ إلى تمييز الخبيث من الطيب، والمستقيم من المعوج، والحق من الباطل، ولسادت الفوضى والعماء. علاوة على أنه لا سبيل إلى ترضية الأهواء المتعارضة، والشهوات المتناقضة، وأقرب مثال

<<  <  ج: ص:  >  >>