وبناء على هذا الحكم الإلهي القاطع لا يحل للأم أن تمتنع عن إرضاع وليدها وتدفعه عنها، رغبة في الإضرار بأبيه، كما لا يحل للأب أن ينتزع الوليد من أمه ويمنعها من إرضاعه، بغية الإضرار بها.
ولعل من أوضح الواضحات أن الوالدات المسلمات إذا نفذن وصية القرآن الكريم على وجهها الكامل، وخصصن لإرضاع أولادهن عامين كاملين دون حمل ولا غيل، فإنهن يسدين بذلك أكبر خدمة لأولادهن من جهة، وإلى أنفسهن من جهة أخرى، فالأولاد يتمتعون بغذائهم الطاهر المفضل الذي يتلقونه من أثداء الوالدات مدة كافية، دون حدوث أي ارتباك في أمعائهم، والوالدات يأخذن وقتا كافيا للراحة والاستجمام من عناء الوضع والحمل، وفي نفس الوقت يجدن من الفراغ ما يساعدهن على العناية بتنشئة وليدهن الرضيع تنشئة مثالية، دون إرهاق ولا اضطراب.
ومما يناسب التنبيه إليه في موضوعنا أن اشتراط كتاب الله لشرط التراضي والتشاور بين الأب والأم في شأن رضاع وليدهما وفطامه معناه أن الوليد-وإن كان ثمرة غرسهما-فإنما ينظر كل منهما إلى مصلحته وسلامته، ويزنهما بالوزن الدقيق، وأنه لا يجوز لأحد منهما أن يستبد دون الآخر بتقرير مصير الطفل، كما قاله سفيان الثوري وغيره، بحيث لا يتصرفان في شأنه ولو في هذا السن المبكر، إلا بما يضمن مصلحته ضمانة محققة من جميع الوجوه.
ويقوي هذا المعنى ويزيده تركيزا وتثبيتا صيغة التعقيب الذي