لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف تهديد بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وخاطب الملأ حوله منددا بموسى، ومستهزئا برسالته، ومحرضا على مقاومته، ومتهما له بأشنع التهم، قائلا:{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ} - {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} - {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}. وحكى كتاب الله القسم الذي كان قوم فرعون يقسمون به في المواقف الحاسمة، واستعمله السحرة عند مواجهتهم لموسى:{وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} جريا على أن فرعون هو ربهم الأعلى، وهذا النوع من الكبر والاستعلاء والتشويه والتسفيه الذي واجه به فرعون وملاؤه دعوة موسى عليه السلام لا يختلف عنه موقف قادة الشرك من دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد تعرضت دعوته صلى الله عليه وسلم لنفس التشنيع والتهديد، وتعرض كثير من أصحابه الأولين لنفس الوعيد والعذاب الشديد.
وتضمنت قصة موسى إشارة إلى القاسم المشترك الذي تلتقي فيه جميع الرسالات الإلهية، وأنها رسالة تحرير للإنسان أيا كان من الرق والاستبداد، وإنقاذ له من معتقدات الشرك والوثنية التي هي الحليف الطبيعي للتخلف والاستعباد، فمن المعنى الأول:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} - {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ومن المعنى الثاني: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} - {قَالَ رَبُّ