ثم إن كتاب الله عندما أراد أن يحكي مقالة الرسل إلى أقوامهم أتى بلفظ معبر له مغزى خاص في هذا المقام بالذات، فوصف الرسول بأنه " أخو قومه " كما في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ}، وقوله تعالى:{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ}، وقوله تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ}، وقوله تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ}. ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت بادئ ذي بدء أن يكون الرسل إلى عامة البشر بشرا مثلهم، يشاركونهم في المشاعر والأحاسيس، ويعايشونهم أفرادا وجماعات، ويلازمونهم ملازمة الظل للشاخص، وبذلك يحصل التفاهم والتجاوب بينهم وبين الناس، مصداقا لقول تعالى في سورة الأنعام:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}[الآية: ٩]. وللمزيد من الألفة بين الرسل ومن أرسل إليهم اقتضت الحكمة الإلهية أن يتكلم بلسانهم، وأن يكون بالنسبة إلى قومه أخا من إخوانهم، إما أخا لهم عن طريق القرابة والنسب، وإما أخا لهم من باب المجانسة والأدب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في آية أخرى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤].
ولا شك أن تقديم كتاب الله لقصص الأنبياء السابقين، وتلاوة رسوله للآيات التي نزلت في شأنها على المؤمنين، وسماع أخبارها في فجر الإسلام من طرف المكذبين والكافرين مما يزيد