تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الآية: ٣٢]، كما حكى في نفس السورة، استهزاءهم به إلى أقصى الحدود، إذ قال تعالى:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}[الآية: ٣٨]. وها هو كتاب الله يحكي في هذا الربع مأخذا جديدا يؤاخذ به قوم نوح نبيهم، ألا وهو اهتمامه بضعفاء قومه، وقبول دخولهم في دين التوحيد، واعتبارهم أهلا لصحبته ومرافقته، وتلقي ما جاء من عند الله، وها هم يلحون عليه في طردهم وإبعادهم من ساحته {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، وعندما يرفض ادعاءهم ويستنكر استعلاءهم، ويصر على أن دين الله للجميع، وأن الناس سواسية فيه لا فرق بين فريق وفريق، يهددونه بالقتل رجما بالحجارة {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} فلم يسعه إلا أن يلتجئ إلى الله، ويشكو إليه بلواه، ويسأله أن يحكم بينه وبين قومه، إذ هو خير الحاكمين {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وأوجز كتاب الله هنا في ذكر عاقبته وعاقبتهم، فقال تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
وأما هود عليه السلام فقد استنكر من قومه عاد ما وجدهم