يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}، تنزيه لكتاب الله تعالى عن أن تقرب الشياطين ساحته، أو تنهك حرمته وحصانته.
وتوكيدا لنفس المعنى، وتعريفا بطبيعة الشياطين وما يوحون به إلى أوليائهم، من الكهنة والمتنبئين، والمشركين والكافرين، خاطب كتاب الله عقلاء البشرالمنصفين، الذين ليسوا كغيرهم من السخفاء المجانين، فقال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}.
وكما بين كتاب الله استحالة وجود أي علاقة بينه وبين الكهانة والكهان، بين انه لا نسبة بين شعر الشعراء ووحي القرآن، فكتاب الله يعرض على الناس عقيدة ثابتة لا تتبدل، وشريعة حق خالدة لا تتحول، وهو يعبر عن حقائق كلية إلهية وكونية لا سبيل إلى إبطالها أو نقضها ولا مناص من قبولها وعدم رفضها، أما الشعر فالشأن فيه أن يتقلب بتقلب الظروف والاوقات، وان يخضع قبل كل شيء لتأثير العواطف والانفعالات، وأن يتحول من مدح إلى قدح، ومن قدح إلى مدح حسب الأهواء والشهوات، وكثيرا ما يكون منبثقا من الأساطير والأوهام والخيالات، فلا يلبث أثره ان ينقطع وبناؤه أن ينهار، لأنه قام على شفا جرف هار، وإذن فلا شبه بينه وبين كتاب الله لا شكلا ولا موضوعا، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في إيجاز وإعجاز:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} وإذا كان كتاب الله يبطل كل شبه أو