منذ أرسل موسى الكليم إليهم، لكنهم بالرغم من ذلك فضلوا الفرقة على الوحدة، والانحراف على الاستقامة، ولم يمض زمن قصير بعد موت سليمان حتى أخذوا يعضون بنان الندامة، فتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وانهار ملكهم، وأصبح ملك سليمان العتيد وهيكله الجديد في خبر كان، وأصبح بنو إسرائيل أوزاعا وأشتاتا في كل مكان، وكانت جلوتهم الكبرى بعد جلوتهم الصغرى، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم وهو يخاطب بني إسرائيل:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[الآية: ٧].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء ":
- قال تعالى تمهيدا لقصة سليمان منوها بأبيه داوود، وبما آل إلي بعد موت أبيه من النبوة والملك دون بقية إخوته {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} وهذه الآية تضمن تنويه الحق سبحانه وتعالى بنعمة " العلم "، واعتبارها من أجل النعم وأجزل القسم، وأن من فضله الله بالعلم على غيره من الناس يجب أن يقابل نعمة الله عليه في كل آن، بالشكر والامتنان. ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ