يزال حيا يرزق بين أظهرهم، لما أهملوا أمره وأمر أهله إلى هذا الحد، بل لا شك أنهم قوم آخرون عمروا هذا المكان، واستقروا به بعد ذهاب أهله وانقراضهم، وانتهاء عصر شعيب ورسالته، ودخولهما في ذمة التاريخ.
- رابعا: على فرض أن النبي شعيبا عليه السلام عاش ولم يفارق مدين حتى ادركه موسى، وأنه هو الذي استضافه وصاهره واستأجره، فقضى موسى بجانبه عشر سنوات كاملة، هل يعقل أن لا يتحدث كتاب الله عن عشرتهما الطويلة ـ والحال ان الأول نبي ورسول، والثاني مرشح في علم الله للنبوة والرسالة ـ إلا حديثا مقتضبا لا يتجاوز سبع آيات، من الآية ٢١ إلى الآية ٢٨ في هذا الثمن، ومن دون أن يمس في الصميم أي جانب من جوانب الدين الأساسية، التي طالما حاور شعيب قومه في شأنها، والتي سيحاور موسى في شأنها فرعون وملأه بعد فترة من الزمن، عندما يفارق مدين ويبعث من ربه رسولا. بينما نجد كتاب الله يطيل النفس في الحديث عن لقاء موسى، بعد نبوءته، بعبد من عباد الله آتاه الله من لدنه علما، ويفصل القول في تسجيل حوارهما الممتع والمثير، ويصف المفاجآت التي فوجئ بها موسى من طرف محاوره الصالح الحكيم أدق وصف وأغربه. وها هي سورة الكهف شاهدة على ذلك، فقد خصصت للقائهما اثنتين وعشرين آية، من الآية ٦٠ إلى الآية ٧٢، هذا وموسى وقتئذ هو الرسول، ومحاوره إنما هو رجل صالح علمه الله ما لم يكن يعلم، وليس في عداد الأنبياء، ألا يدل هذا كله على أن " الشيخ الكبير " الذي