ويحاولون أن يسدوا إليه النصح الخالص والموعظة الحسنة، عسى أن يصلح خطأه ويقوم اعوجاجه، ويندرج في عداد من يصدق عليهم مثل قول الرسول الأعظم:" نعم المال الصالح للرجل الصالح " وذلك ما حكاه كتاب الله عنهم {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} لكنه لا يلبث أن يرد عليهم رد الجاهلين الذين أمنوا مكر الله، ولا يعترفون بأي فضل لله، وبينما يقول الله تعالى ممتنا على قارون {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ}، مثبتا أن العطاء كله إنما هو منه وإليه، ويقول له عقلاء قومه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ} موقنين بأن ما آل إليه من المال إنما استخلفه الله فيه، وجعله وديعة بين يديه، إذا به يرد عليهم في صلف وغرور، منكرا منة الله، ومتجاهلا كل من له حق في المال من ضعفاء عباد الله {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}. أما " نصيب الإنسان من دنياه " الذي تشير إليه الآية {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فهو أن يعيش ويأكل ويشرب غير مضيق عليه، حسبما فسره الإمام مالك.
وعقب كتاب الله على تصريح قارون المليء بالجهل والكبر، مذكرا بسنة الله التي قد خلت من قبل في هذا النوع من عتاة المترفين، وأنه يمهلهم ولا يمهلهم، بل ينتقم منهم ويهلكهم، ويصبحون أثرا بعد عين، وذلك قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا}