الحياة والبقاء، الذي لا يلحقه موت ولا فناء، المتصرف في ملكه والقاهر فوق عباده من كافة الأحياء دون استثناء، وذلك قوله تعالى في ختام هذه السورة:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ} على غرار قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} أي على الأرض {فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن: ٢٦، ٢٧].
وردا على من يظن أن مسؤولية الإنسان تنتهي بمفارقة الروح للجسد، وأنه لا حشر ولا نشر، ولا ثواب ولا عقاب بعد الموت، أعقب قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} بقوله تعالى: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، بمعنى أن كل إنسان هالك عند الموت لا محالة، لكنه رغم موته لا بد أن يبعث ويحشر ويرجع إلى الله لينال جزاءه الأوفى إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وأما هلاك الكون بالمعنى العام فقد فسره ابن حزم وابن القيم وفخر الدين الرازي بما يحدث في الكون من انقلاب شامل يتجلى في تغيير معالمه وتبديل أحواله، حسبما وصفته وفصلته آيات الذكر الحكيم، وذلك طبقا لمشيئة خالق الكون ومدبر أمره، الذي يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد. وحجتهم في ذلك وجوب الوقوف عند ظاهر قوله تعالى في سورة إبراهيم:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[الآية: ٤٨].
والآن وقد انتهينا بفضل الله وتوفيقه من تفسير " سورة القصص " المكية نشرع بعون الله ومشيئته في تفسير " سورة العنكبوت " المكية أيضا، وقد جاءت فاتحتها مبدوءة بالحروف