[الإسراء: ٣٢]، وواضح ان اشتراك هاتين المعصيتين في اسم الفاحشة يستلزم تماثلهما في نفس العقوبة الشرعية، فما شرع زاجر في إحداهما يشرع زاجرا في الأخرى، على أن الشذوذ الجنسي في نظر الشريعة أحرم وأفحش، فكان بالعقوبة أحرى، كما حققه القاضي أبو بكر (ابن العربي) المعافري.
وقد آخذ لوط قومه في نفس الآية بجملة من المخالفات والمعاصي، منها قطع السبيل على المارة وتهديد الأمن العام، والمجاهرة بالمنكر والتواطؤ عليه من دون حياء ولا احتشام، علاوة على الفاحشة الكبرى التي ابتدعوها وأسرفوا بها وفيها، حتى لم يعودوا يعرفون ويذكرون إلا بها.
لكن بدلا من ان يستجيب له قومه ويرجعوا إلى جادة الصواب والميل الطبيعي للفطرة، أصروا على ما هم فيه، وأخذوا يتحدونه أن يأتيهم بعذاب الله، استهزاء وسخرية {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
ولما اقتنع لوط عليه السلام بإصرار قومه على ما هم فيه، وباستشراء الفساد فيهم إلى حد أنه لم يعد يرجى منهم ولا من عقبهم خير ولا صلاح، استنصر عليهم بالله عسى أن يحل بهم عقاب الله {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} كما قال نوح من قبله بعدما يئس من قومه: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح: ٢٦، ٢٧].