وقوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} يقتضي نهي الشاهد عن كتمان شهادته، إذ في كتمانه لها إضرار بمن ينجز له الحق بواسطتها، لكن أداءها مقيد بقوله تعالى في الربع الماضي {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} كأن يطلب من الشاهد مؤونة مجيئه من بلد بعيد.
قال القاضي أبو بكر (ابن العربي): " إذا كان على الحق شهود تعين عليهم أداء الشهادة على الكفاية، فإن أداها اثنان واجتزأ بهما الحاكم سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يجتزئ بهما تعين المشي إليه حتى يقع الإثبات، وهذا يعلم بدعاء صاحبها، فإذا قال للشاهد: " أحي حقي بأداء ما عندك لي من شهادة " تعين ذك عليه " وما قاله ابن العربي ينسجم كل الانسجام مع قوله تعالى في الربع الماضي {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}.
وكما نهى الشارع عن كتمان الشهادة نهى عن تبديلها وتحويلها نهيا باتا، غير أن تبديلها وتحويلها إثم باللسان، أما كتمانها وإخفاؤها فهو إثم بالقلب، ذلك معنى قوله تعالى:{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ثم عقب على نفس المعنى بقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} تحذيرا من كتمان الشهادة وإخفاء الحق، حيث إنه سبحانه لا تخفى عليه خافية، نظير ذلك قوله تعالى في آية أخرى {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ}.