وهذه الآية من الآيات التي اشتد وقعها على الصحابة رضوان الله عليهم، ورجفت لها قلوبهم، وذلك بقوة إيمانهم وشدة خوفهم من الله، إذ إنها لا تتضمن فقط مجرد علم الله بما يخفيه عباده، واطلاعه على مكنونات صدورهم، مثل آيات أخرى جاءت بهذا المعنى كقوله تعالى:{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} وقوله تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} فهذا الأمر لا يجادل فيه مسلم، مادام الحق سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شئ علما، وإنما تضمنت الآية التي نحن بصددها أمرا زائدا على العلم بالسر والنجوى، ألا وهو محاسبة الله لعباده حتى على ما يخفونه، وقد يكون ذلك من الهواجس والوساوس والخواطر التي تهجم على الإنسان ولا يملك لها تصريفا، فقالوا:" يا رسول الله هلكنا إن كنا نواخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا ". قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} دخل قلوبهم منها شئ لم يدخل قلوبهم من قبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، " قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا "، فألقى الله الإيمان في قلوبهم، ثم أنزل {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، وفي أثنائها لقن الله عباده المؤمنين هذا الدعاء {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} - {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.
وفي هذا المعنى ورد قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة في الكتب الستة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم أو تعمل ".