وليثبت الحق سبحانه وتعالى فؤاد خاتم أنبيائه ورسله على الحق المبين، حتى يقف في وجه الكافرين والمنافقين، ويتحمل كل عناء في سبيل تربية أصحابه المؤمنين، وتبليغ رسالته إلى العالمين، ذكره كتاب الله بالميثاق الذي أخذه عليه وعلى كافة الأنبياء في هذا الصدد، مؤكدا أن ذلك الميثاق (ميثاق غليظ)، لجسامة أمره، وجلالة شأنه، مخبرا بأن الصادقين من أتباعه وأتباع الأنبياء السابقين، سيسألون يوم القيامة عن مدى تصديقهم لذلك الميثاق، ومدى تنفيذهم له في دنياهم، لينالوا أحسن الجزاء في أخراهم، أما الذين كفروا بميثاق الأنبياء فسينالون ما يناسبهم من العقاب والجزاء، وذلك قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}، وكما يسأل أتباع الرسل عن هذا الميثاق يسأل عنه الرسل أنفسهم، مصداقا لقوله تعالى (١٠٩: ٥): {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ}.
ويلاحظ في هذه الآية البدء بذكر خاتم الأنبياء قبل نوح:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}، ثم ذكر بقية أولي العزم من مشاهير الرسل -حسب تسلسلهم التاريخي قبل الرسالة المحمدية - لأنه هو وارثهم وممثلهم، وخاتمهم الذي أرسله الله إلى الناس جميعا، بينما ورد ذكره بعد ذكر نوح في قوله تعالى:(١٣: ٤٢): {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} الآية، لأن المراد في هذه