الحسبان، وذلك بحفر خندق يحمي المدينة أثناء حصارها من كل عدوان، كما سلط الله على أعدائهم ريحا عاتية شتتت شملهم، وقطعت حبلهم، وجعلتهم في حالة رعب وفزع وعويل، لا يهمهم معها إلا الانصراف والرحيل:{وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، أمد رسوله والمؤمنين بقوته، وأعز دينه الحق بعزته، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، ثم قال تعالى:{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}، أي: مكن الله للمسلمين من يهود بني قريظة الذين تقع مساكنهم على بعد بضعة أميال من المدينة، فاستغلوا قربهم منها، وقلبوا للمسلمين ظهر المجن، وتضامنوا مع أحزاب الشرك الزاحفة عليهم، ظنا منهم أن فرصة القضاء على الإسلام قد حل أجلها، مع أنهم يعدون من (أهل الكتاب)، كما وصفهم الله في هذه الآية، لا من أهل الوثنية والشرك. والحليف الطبيعي لهم، الذي كان المنطق يقضي بتأييده ومناصرته هو دين الحق، الذي جاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب، لا دين الوثنية الباطل، الذي لا يؤمن بأي كتاب، ولذلك ما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود من رباطه بالخندق، بعد جلاء الأحزاب عن المدينة، حتى أوحي إليه أن ينهض من فوره إلى حصار بني قريظة في قراهم المحصنة، القريبة من نفس المدينة، عقابا لهم على جريمة الغدر، وتأديبا لهم على خيانة العهد والضرب من الخلف، فحاصرهم رسول الله والمؤمنون خمسا وعشرين ليلة، ولما طال عليهم الحصار، ولم يجدوا وسيلة للفرار، لم يسعهم إلا الخضوع والاستسلام، لجنود الإسلام، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنزلون