نسب زيد لا يزال يعد في نظرهم نسبا وضيعا، إذ هذه أول سابقة من نوعها أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفتح بها الباب، ليزيل ما كان بين العرب ومواليهم من الفوارق والحجاب، لكن بعدما استمعت بنت عمته إلى كتاب الله وهو يقول:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، لم يسعها إلا النزول على أمر الرسول، والرضى بزيد بن حارثة زوجا لها والقبول، فدخل بها ومكثت عنده ما يقرب من سنة أو يزيد قليلا، غير أن العشرة بينهما لم تكن مريحة ولا مطمئنة، فالاعتبارات الاجتماعية التي توارثها العرب لا تزال رواسبها حية في النفوس، ومن الصعب أن تمحي بسرعة وسهولة، ولا سيما في هذه المرحلة الأولى، ولذلك ما لبث زيد بن حارثة أن أخذ يحس بالهوة التي تفرق بينه وبين زوجته زينب، وابتدأ يتردد على رسول الله، شاكيا إليه بنت عمته التي زوجه بها، وكان يشكو منها على الخصوص غلظة قول، وعصيان أمر، وتعظما بالحسب والنسب، ويعرب في كل مناسبة عن نفرته منها، ورغبته في فراقها، فتأكد لدى الرسول عليه السلام أن العشرة بينهما لن تأخذ طريقها السوي، وأن زواجهما لا بد آئل إلى الفراق، لكنه بالرغم من ذلك لم يزل يوصي زيدا بإمساكها، حيث أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(٢١٦: ٢)، ولم يغب عن علمه صلى الله عليه وسلم ما سوف تتعرض له بنت عمته من الضياع إذا لم يقبل على الزواج بها من يماثلها أو يقاربها حسبا ونسبا بعد فراق زيد لها، ولاسيما والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي خطبها وأشرف على زواجه بها، ولولا