وانتقل كتاب الله إلى الحديث عما امتن به على سليمان بن داوود من فضل أشمل وأعظم، هذا الفضل يتجلى في عدة مظاهر:
المظهر الأول: تسخير الريح له في زمان محدود ومكان محدود، وجعلها أداة سريعة في يده ويد أعوانه، للقيام بأسرع ما يمكن من التنقلات والمواصلات، بحيث يكون من المستطاع قطع مسافة شهر في الغدو ومسافة شهر في الرواح، أي قطع مسافة شهرين في يوم واحد، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}، على غرار قوله تعالى فيما سبق في سورة الأنبياء (٨١): {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة (ص: ٣٦): {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ}.
والمظهر الثاني: تمكينه من استعمال معدن النحاس، وتعريفه بالطريقة التقنية المثلى لتذويبه وإسالته، وإرشاده إلى استعماله في صنع ما يلزم من آلات وأدوات، للنفع الخاص والنفع العام، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أي: معدن النحاس، وقوله تعالى في نفس السياق: