أجل ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم، وأما الأتباع والمرؤوسون فمن أجل تسليم مقادتهم لهم والانقياد لأوامرهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع عذاب بحسبهم، وبدلا من سلاسل الخداع والتضليل، التي كانوا يوثقون بها أعناق الجيل بعد الجيل، هاهي أعناقهم موثقة بسلاسل من أغلال الحديد الثقيل.
وانتقل كتاب الله إلى كشف الغطاء عن الخطة العدائية التي جرى عليها الطغاة المترفون كلما بعث إلى الناس نبي أو رسول، وما تواطئوا عليه من غلط كبير، ووهم خطير، إذ يظنون أن سعة أموالهم، وكثرة أولادهم هي من دلائل حظوتهم عند الله، فيأمنون مكر الله، جاهلين أن الله تعالى إنما يمهل الظالمين، وأن كيده متين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، فسعة الرزق عند الغنى لا تدل على مقامه الكريم عند الله، وضيق ذات اليد عند الفقير لا يفيد هوانه على الله، ووجود الترف، لا يدل على الشرف، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
ثم قرر كتاب الله حقيقة دينية ثابتة قام عليها الإسلام، ألا وهي أن قيمة الإنسان عند ربه تقدر بخلقه القويم، وسلوكه المستقيم، بشكل متواصل ومستديم، ولا دخل للغنى والفقر في