وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، أي: يخلفه عليكم ويعطيكم بدله، إذا كانت النفقة في طاعة الله، وذلك إما بمثله، وإما بالثواب عليه وادخاره للآخرة:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}(٣٠: ٣)، وإما بالقناعة وغنى القلب، (والقناعة كنز لا ينفذ)، على أن كل ما عند العبد إنما هو من خلق الله ورزقه، {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، إذ هو سبحانه خالق الرزق، وخالق الأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق، وخزائن رزقه لا تتناهى ولا تفنى {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(٧: ٦٣)، قال مجاهد:(لا يتأولن أحدكم هذه الآية: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد فيه، فإن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل، ولا ينفق جميع ما في يده، ثم يبقى طول عمره في فقر).
وكما استنكر كتاب الله في الربع الماضي (عبادة الجن) وقضى على رواسبها المتخلفة من عهد الجاهلية، عندما قال في شأنهم:{وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} وعندما قال: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}، استنكر كتاب الله في هذا الربع عبادة فريق من الناس للملائكة، وجاء هذا الاستنكار، في صيغة سؤال واستفسار، وذلك قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}، أي: يحشر الكافرين والمشركين في عرض شامل جامع: {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}، أي: هل أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم، وكنتم راضين عن عبادتهم فيتبرأ الملائكة منهم