بالمرة، ويبدؤون جوابهم بتنزيه الله عن كل سوء:{قَالُوا سُبْحَانَكَ}، أي: تعاليت وتقدست عن أن يعبد أحد سواك، {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}، أي: أنت ربنا الذي نتولاه وحده بالعبادة، ونخلص له الطاعة، لا نتولى غيرك ولا نعبد سواك.
وسبق في كتاب الله سؤال من هذا النوع، موجه إلى عيسى عليه السلام مع جواب مماثل (١١٦: ٥)، {أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}، ثم واصل الملائكة جوابهم قائلين:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}، أي أن شياطين الجن هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان، وخيلوا إليهم أن تلك الأوثان هي على صور الملائكة، فصدقوهم وآمنوا بهم، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ}(١٠٠: ٦)، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}(١٥٨: ٣٧)، قال جار الله الزمخشري (قد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين برءاء مما وجه إليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريع من عبدوهم أشد، وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم).
ثم بين كتاب الله أن الآمال التي كان يعلقها عبدة الأوثان والجن والملائكة على معبوداتهم آمال ضائعة، وأن رجاءهم في نفعهم عند نزول الشدائد مآله الخيبة والخسران، فقال تعالى مخاطبا لهم جميعا: {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا