والتفتوا إلى ما حولهم، وساروا في الأرض سير الناظر المتفحص، لأخذوا العبرة من مصارع الشعوب والحضارات التي سبقتهم، بالرغم مما كانت عليه من توسع في العمران، وقوة متنوعة الأشكال والألوان، فالبقاء والفناء، والقوة والضعف، سنن لا تتخلف قديما وحديثا، وذلك ما يقرره قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الروم (٩): {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}، ونفس المعنى سبق في سورة التوبة عند قوله تعالى (٦٩): {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا}، كما نص عليه كتاب الله أيضا في سورة غافر مرتين، وذلك قوله تعالى في الآية الواحد والعشرين:{كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ}، وفي الآية الثانية والثمانين:{كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ}، وذلك حتى لا يغتر الأقوياء بقوتهم، مادامت لا تساندها قوة الله، إذ قوة الله القاهرة، لا يعجزها أي شيء من قوة البشر الظاهرة، كيفما كانت وتنوعت، وطغت وتجبرت.
وللتخفيف من غلواء البشر المتبجحين بقوتهم، ومواجهة تحديهم، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}، {عَلِيمًا}، بمبلغ قوتهم المحدودة، {قَدِيرًا}، على أخذهم وتأديبهم في